فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ}.
أي: نختارك بالإيمان والاتباع: {عَلَى مَا جَاءَنَا} أي: من الله على يد موسى: {مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} أي: وعلى الذي خلقنا. واختيارُ هذا الوصف للإشعار بعلة الحكم. فإن خالقيته تعالى لهم، وكون فرعون من جملة مخلوقاته، مما يوجب عدم إيثارهم له عليه، سبحانه وتعالى. وهذا جواب منهم لتوبيخ فرعون بقوله: {آمَنْتُمْ لَهُ} وقيل هو قسم محذوف الجواب: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي: اصنع ما أنت صانعه. وهذا جواب عن تهديده بقوله: {لَأُقَطِّعَنَّ} الخ: {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: فيها وهي لا بقاء لها، ولا سلطان لك بعدها. وإنما البغية الآخرة.
{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} أي: ثوابًا.
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا} أي: فينقضي عذابه: {وَلا يَحْيَى} أي: حياة طيبة.
{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} أي: المنازل الرفيعة بسبب إيمانهم وعملهم الصالح.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} أي: تطهر من دنس الكفر والمعاصي، بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة.
لطائف من الكشاف وحواشيه للناصر:
الأولى: في تخيير السحرة بين إلقاء موسى وإلقائهم، استعمال أدب حسن معه، وتواضع له وخفض جناح. وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم. وكأن الله عزّ وعلا ألهمهم ذلك، وعلم موسى- صلوات الله عليه- اختيار إلقائهم، أوّلًا، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر، ويستنفدوا أقصى طرقهم ومجهودهم. فإذا فعلوا أظهر الله سلطانه، وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين. وعبرة بينة للمعتبرين. وقبل ذلك تأدبوا معه بقولهم: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ} ففوضوا ضرب الموعد إليه، وكما ألهم الله عزّ وجلّ موسى ها هنا، أن يجعلهم مبتدئين بما معهم، ليكون إلقاؤه العصا، بعدُ، قذفًا بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، كذلك ألهمه من الأول، أن يجعل موعدهم يوم زينتهم وعيدهم، ليكون الحق أبلج على رؤوس الأشهاد، فيكون أفضح لكيدهم وأهتك لستر حرمهم.
الثانية: جوز في إِيثار قوله تعالى: {مَا فِي يَميِنِكِِ} على: {عَصَاكَ} وجهان:
أحدها: أن يكون تعظيمًا لها. أي: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة. فإِن في يمينك شيئًا أعظم منها كلها. وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده. فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها.
وثانيهما: أن يكون تصغيرًا لها أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم. وألق العُوَيْد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك. فإِنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وإِنما المقصود بتحقيرها في جنب القدرة، تحقير كيد السحرة بطريق الأوْلى. لأنها إذا كانت أعظمُ مُنَّةً وهي حقيرة في جانب قدرة الله تعالى، فما الظن بكيدهم وقد تلقفته هذه الحقيرة الضئيلة؟
ولأصحاب البلاغة طريق في علوّ المدح بتعظيم جيش عدوّ الممدوح، ليلزم من ذلك تعظيم جيش الممدوح وقد قهره واستولى عليه. فصغر الله أمر العصا، ليلزم منه كيد السحرة الداحض بها في طرفة عين.
واعلم أنه لابد من نكتة تناسب الأمرين- التعظيم والتحقير- وتلك، والله أعلم، هي إرادة المذكور مبهمًا، لأن: {مَا فِي يَميِنِكِِ} أبهم مِنْ: {عَصَاكَ} وللعرب مذهب في التنكير والإبهام، والإجمال، تسلكه مرة لتحقير شأن ما أبهمته، وأنه عند الناطق به أهون من أن يخصه ويوضحه. ومره لتعظيم شأنه، وليؤذن أنه من عناية المتكلم والسامع بمكان، يغني في الرمز والإِشارة. فهذا هو الوجه في إِسعاده بهما جميعًا.
ثم قال الناصر: وعندي في الآية وجه سوى قصد التعظيم والتحقير. والله أعلم. وهو؛ أن موسى عليه السلام، أول ما علم أن العصا آية من الله تعالى، عندما سأله عنها بقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} ثم أظهر له تعالى آيتها، فلما دخل وقت الحاجة إلى ظهور الآية منها، قال تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} ليتيقظ بهذه الصيغة للوقت الذي قال الله تعالى له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} وقد أظهر له آيتها، فيكون ذلك تنبيهًا له وتأنيسًا، حيث خوطب بما عهد أن يخاطب به وقت ظهور آيتها. وذلك مقام يناسب التأنيس والتثبيت. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}؟ انتهى.
ولأبي حيان نكتة أخرى. وهي ما في اليمين من الإشعار باليمن والبركة. ولا يقال جاء في سورة الأعراف: {أَلْقِ عَصَاكَ} والقصة واحدة. لأنه يجاب بأنه مانع من رعاية هذه النكتة فيما وقع هنا، وحكاية ما جاء بالمعنى.
هذا وقال الشهاب الخفاجي: فيما ذكروه نظر لأنه إنما يتم إذا كان الخطاب بلفظ عربي أو مرادفٍ له، يجري فيه ما يجري فيه. والأول خلاف الواقع. والثاني دونه خرط القتاد، فتأمل.
أقول: إِنما استبعد الثاني، لتوهم أن لا بلاغة ولا نكات إلا في اللغة العربية. مع أن الأمر ليس كذلك. وحينئذ فيتعين الثاني. وهو ظاهر. وبه تستعاد تلك اللطائف.
أهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله: {لَن نُّؤْثِرَكَ} أي لن نختار اتباعك وكوننا من حزبك، وسلامتنا من عذابك على ما جاءنا من البينات. كمعجزة العصا التي أتتنا وتيقنا صحتها. والواو في قوله: {والذي فَطَرَنَا} عاطفة على {ما} من قوله: {على مَا جَاءَنَا} أي لن نختارك {على مَا جَاءَنَا مِنَ البينات} ولا على {والذي فَطَرَنَا} أي خلقنا وأبرزنا من العدم إلى الوجود. وقيل: هي واو القسم والمقسم عليه محذوف دل عليه ما قبله. أي {والذي فَطَرَنَا} لا نؤثرك {على مَا جَاءَنَا مِنَ البينات}، {فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ} أي اصنع ما أنت صانع. فلسنا راجعين عما نحن عليه {إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ} أي إنما ينفذ أمرك فيها. ف {هَذِهِ} منصوب على الظرف على الأصح. أي وليس فيها شيء يهم لسرعة زوالها وانقضائها.
وما ذكره جل وعلا عنهم في هذا الموضع: من ثباتهم على الإيمان، وعدم مبالاتهم بتهديد فرعون ووعيده رغبة فيما عند الله قد ذكره في غير هذا الموضع. كقوله في الشعراء عنهم في القصة بعينها: {قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} [الشعراء: 50]. وقوله في الأعراف: {قالوا إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: 125-126]. وقوله: {فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ} عائد الصلة محذوف، أي ما أنت قاضيه لأنه مخفوض بالوصف، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
كذاك حذف ما يوصف خفضا ** كأنت قاض بعد أمر من قضى

ونظيره من كلام العرب قول سعد بن ناشب المازني:
ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت ** يميني بإدراك الذي كنت طالبا

أي طالبه.
{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن فرعون لعنة الله لما قال للسحرة ما قال لما آمنوا، قالوا له: {إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} يعنون ذنوبهم السالفة كالكفر وغيره من المعاصي {وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر} أي ويغفر لنا ما أكرهتنا عليه من السحر. وهذا الذي ذكره عنهم هنا أشار له في غير هذا الموضع. كقوله تعالى في الشعراء عنهم: {إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ المؤمنين} [الشعراء: 50-51]، وقوله عنهم في الأعراف: {رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: 126]. وفي آية طه هذه سؤال معروف، وهو أن يقال: قولهم {وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر} يدل على أنه أكرههم عليه، مع أنه دلت آيات أخر على أنهم فعلوه طائعين غير مكرهين، كقوله في طه: {فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ النجوى قالوا إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائتوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} [طه: 62-64]. فقولهم: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائتوا صَفًّا} صريح في أنهم غير مكرهين. وكذلك قوله عنهم في الشعراء: {قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ المقربين} [الشعراء: 41-42]، وقوله في الأعراف: {قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} [الأعراف: 113-114] فتلك الآيات تدل على أنهم غير مكرهين.
وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة معروفة:
منها: أنه أكرههم على الشخوص من أماكنهم ليعارضوا موسى بسحرهم، فلما أكرهوا على القدوم وأمروا بالسحر أتوه طائعين، فإكراههم بالنسبة إلى أول الأمر، وطوعهم بالنسبة إلى آخر الأمر، فانفكت الجهة وبذلك ينتفي التعارض، ويدل لهذا قوله: {وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ} [الشعراء: 36]، وقوله: {وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} [الأعراف: 111].
ومنها: أنه كان يكرههم على تعليم أولادهم السحر في حال صغرهم، وأن ذلك هو مرادهم بإكراههم على السحر. ولا ينافي ذلك أنهم فعلوا ما فعلوا من السحر بعد تعلمهم وكبرهم طائعين.
ومنها: أنهم قالوا لفرعون: أرنا موسى نائمًا: ففعل فوجدوه تحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر الساحر! لأن الساحر إذا نام بطل سحره. فأبى إلا أن يعارض، وألزمهم بذلك. فلما لم يجدوا بدًا من ذلك فعلوه طائعين. وأظهرها عندي الأول، والعلم عند الله تعالى.
وقوله: في هذه الآية الكريمة {خَطَايَانَا} جمع خطيئة، وهي الذنب العظيم. كالكفر ونحوه. والفعلية تجمع على فعائل، والهمزة في فعائل مبدلة من الياء في فعيلة، ومثلها الألف والواو، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
والمد زيد ثالثًا في الواحد ** همزًا يرى في مثل كالقلائد

فأصل خطايا خطائي بياء مكسورة، وهي ياء خطيئة، وهمزة بعدها هي لام الكلمة. ثم أبدلت الياء همزة على حد الإبدال في صحائف! فصارت خطائئي بهمزتين، ثم أبدلت الثانية ياء للزوم إبدال الهمزة المتطرفة بعد الهمزة المكسورة ياء، فصارت خطائي، ثم فتحت الهمزة الأولى تخفيفًا فصار خطاءي، ثم أبدلت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار خطاءًا بألفين بينهما همزة، والهمزة تشبه الألف، فاجتمع شبه ثلاثة ألفات، فأبدلت الهمزة ياء فصار خطايا بعد خمسة أعمال، وإلى ما ذكرنا أشار في الخلاصة بقوله:
وافتح ورد الهمزة يا فيما أعل ** لامًا وفي مثل هراوة جعل

واوا... إلخ.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {والله خَيْرٌ وأبقى} ظاهره المتبارد منه: أن المعنى خير من فرعون وأبقى منه. لأنه باق لا يزول ملكه، ولا يذل ولا يموت، ولا يعزل. كما أوضحنا هذا المعنى في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَلَهُ الدين وَاصِبًا} [النحل: 52] الآية. أي بخلاف فرعون وغيره من ملوك الدنيا فإنه لا يبقى، بل يموت أو يعزل، أو يذل بعد العز. وأكثر المفسرين على أن المعنى: أن ثوابه خير مما وعدهم فرعون في قوله: {قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ المقربين} [الشعراء: 41-42]. وأبقى: أي أدوم. لأن ما وعدهم به فرعون زائل، وثواب الله باق. كما قال تعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96]، وقال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا والآخرة خَيْرٌ وأبقى} [الأعلى: 17]. وقال بعض العلماء: {وأبقى} أي أبقى عذابًا من عذابك، وأدم منه. وعليه فهو رد لقول فرعون {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا وأبقى} [طه: 71] ومعنى {أبقى} أكثر بقاء.
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74)}.
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: {إِنَّهُ} أي الأمر والشأن {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ} يوم القيامة في حال كونه {مُجْرِمًا} أي مرتكبًا الجريمة في الدنيا حتى مات على ذلك كالكافر عياذًا بالله تعالى {فَإِنَّ لَهُ} عند الله {جَهَنَّمَ} يعذب فيها ف {لاَ يَمُوتُ} فيستريح {وَلاَ يحيى} حياة فيها راحة.
وهذا الذي ذكره هنا أوضحه في غير هذا الموضع: كقوله: {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36]، وقوله تعالى: {واستفتحوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 15-17]، وقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب} [النساء: 56]، وقوله تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى الذى يَصْلَى النار الكبرى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا} [الأعلى: 11-13]، وقوله تعالى: {يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77] إلى غير ذلك من الآيات. ونظير ذلك من كلام العرب قول عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة السبعة:
ألا من لنفس لا تموت فينقضي ** شقاها ولا تحيا حياة لها طعم

{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن {وَمَن يَأْتِهِ} يوم القيامة في حال كونه {مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصالحات} أي في الدنيا حتى مات على ذلك {فأولئك لَهُمُ} عند الله. والعلى: جمع عليا وهي تأنيث الأعلى. وقد أشار إلى هذا المعنى في غير هذا الموضع. كقوله تعالى: {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 21]، وقوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} [الأحقاف: 19] ونحو ذلك من الآيات. اهـ.